رغم ما تخبرنا به حكايا التاريخ وتميط اللثام عنه، بأن أصل العطور كان في مصر القديمة، عندما استعان به الفراعنة في عديد الأمور والمستحضرات، إلا أن العرب في شبه جزيرتهم هم الذين عرفوا كيفية إتقان تقنيات جديدة وتطوير صناعة العطور حتى تمكنوا من احتكار تجارتي العطور والتوابل.
نستعرض في هذه المدونة مقتطفات من تاريخ العطور في الحضارة العربية القديمة حتى تطلع على كل شيء متعلق بالعطور العربية وتأثيرها على بقية العالم.
تاريخ العطور في شبه الجزيرة العربية
كانت جنوب شبه الجزيرة العربية القديمة مختلفة تماماً عن الصحراء التي هي عليها اليوم، إذ كانت خصبة ومليئة بالنباتات العطرية، وكانت منطقة تُعرف بأرض العطور. ومن بديع ما توصف به الجنة، وفقاً للقرآن الذي يستدين به أهل شبه الجزيرة العربية، بأنها مكان معطر مليء بالحدائق والأشجار وأنهار رائعة ورائحة عطرة المسك.
دخلت العطور العالم العربي عن طريق التجارة التي ازدهرت بين شبه الجزيرة وما يحيط بها من مناطق، شمالاً وجنوباً. ولم يتوقف العرب عند ما يحيط بهم فحسب، بل سافروا وابتعدوا في سبيل إدخال كل ما هو جديد إلى عالمهم. ومن هنا دخت العطور واستقرت، قبل أن يضيف العرب لها لمستهم ويصبغوها بصبغتهم.
في القرن العاشر الميلادي، كان ابن سينا ، الفيلسوف والطبيب العربي الشهير، هو من أدخل ماء الورد إلى العالم الإسلامي، والذي كان يستخدم لتعطير غرف المنازل. كان ماء الورد هو العنصر الأساسي في صنع الروائح العطور، لدرجة أنه كان يعتبر رمزاً لنقاء الله وحكمته.
أفضل العطور العربية وقصة أصول العطور في الجزيرة العربية
مع تطور العرب وانتشار الإسلام واتساع رقعته ودخول أقوام وحضارات وثقافات متنوعة فيه، دخلت علوم ومعارف جديدة على العرب، وانتسبت لهم بحكم وقوعها في أراضيهم الجديدة التي ما باتت مقتصرة على شبه الجزيرة، بل ابتعدت كثيراً إلى حدود الصين شرقاً، وداخل إسبانيا والبرتغال غرباً.
العرب والكيمياء في العطور
كان العرب هم من استخدموا الخيمياء في صناعة العطور، كما كانوا يسمونها. هدف هذا العلم الجديد إلى البحث في "جوهر" النباتات عن طريق استخراج زيوتها الأساسية من خلال تقنية استحدثوها تدعى التقطير.
استفاد العرب من تطور الخيمياء في مواجهة تراجع صناعة العطور في الغرب. وكان العرب هم الذين أتقنوا الإنبيق لتقطير الكحول الذي استخدموه للحصول على قاعدة العطر. كان هذا توسعاً سريعاً في هذا المجال، وفي والتجارة نفسها وشعبيتها في العصور الوسطى، وكذلك ثورة في طريقة صنع العطور.
وصول العرب إلى إسبانيا
مع انتهاء الحروب الصليبية (1096-1291) دخلت العطور إلى الغرب، حيث كان الجنود الذين عادوا إلى أوروبا من حملاتهم العسكرية محملين بالعطور والجواهر غير المعروفة إلى بلدانهم. ومع هذا، ظلت العطور حكراً على من اتصل بالعرب وعالمهم الشرقي.
ولكن مع وصول العرب إلى إسبانيا، سافر العطر في طريق جديد: فوصل إلى فرنسا، البلد الذي عرف كيف يصنعه ويحذق صناعته ويكاد يحتكرها. علاوة على ذلك، أصبحت غرناطة وإشبيلية مراكز عطور مهمة للغاية مقارنة ببغداد ودمشق.
كانت الأهمية التي يولونها للعطور عالية وكبيرة، حيث أمر الحكم الأول، الأمير الأموي الثالث لقرطبة، خادمه بإحضار المسك والزباد لتطيب لحيته حيث إنه في حال نجح المتمردون في قطع رأسه، فإن رأسه في العالم الآخر سوف تبرز لزكي رائحة لحيته المخضبة بالمسك. وبالمثل، فإن خليفته الحكم الثاني كان له منبر مسجد قرطبة مبني من الأخشاب العطرية مثل خشب الأبنوس أو خشب الصندل.
حتى بعد خروج العرب من شبه الجزيرة الآيبيرية، كان العطارون هم أصحاب الامتياز الوحيدون الذين أُنقذوا وتمكنوا من البقاء هناك.
هذه النبذة السريعة عن دخول العطور إلى شبه جزيرتنا تؤكد لنا طول باعنا في عالم العطور وأننا بدأنا هذا العالم، ونقلناه إلى العالم من حولنا، ولكنن رغم كل هذا الاختلاط، لم نغير من لمستنا فيه، بل عدلنا عليها لتبقى فينا رمزاً ولنا ممثلاً أصيلاً.
يتم تعيين إعدادات ملفات تعريف الارتباط على موقع الويب هذا على "السماح لجميع ملفات تعريف الارتباط" بمنحك أفضل تجربة. الرجاء النقر فوق قبول ملفات تعريف الارتباط لمواصلة استخدام الموقع.