تاريخ العود

إذا ألقيت نظرة موجزة على العطور العربية أو ما يوصف منها بالشرقية، فستلاحظ أن عدداً كبيراً من عطورنا تستخدم العود. رغم ما يربطه بعضنا بين العود والعصور الإسلامية للدول العربية، ستتفاجؤون إن علمتم أن جذور العود في عالم العطور تعود لفترة أطول من هذه وتمتد إلى بلدان أكثر بكثير مما قد تدركونه.

التاريخ المبكر للعود

رغم أننا غالباً ما نربط العود بدول الشرق الأوسط، إلا أن أقدم السجلات للمكون المستخدم في العطور تأتي من منطقة مختلفة من آسيا. في حين أن دبي قد تكون عاصمة العود في العالم اليوم، إلا أن الصين في الواقع هي صاحبة الفضل في اكتشافه ونشره.

تشير السجلات التي تعود إلى القرن الثالث إلى استخدام الصينيين للعود وزيته الذي شاع استخدامه في أقصى الشرق. كما تشير نفس السجلات إلى أن فيتنام بلد يستخدم العود بكثافة. لذ، فمن المحتمل أن يكون الصينيون هم أول من استخدمه، لكن الأمر نفسه ينطبق على الفيتناميين.

وإذا ما قفزنا عبر التاريخ إلى القرن 16، لوجدنا أن التجار الفيتناميين باعوا العود وزيته لكل من المستوردين اليابانيين والصينيين، لكن كلا الثقافتين لم تدرك استخدامه على حدة، بل ربطته بالبخور، وهنا جاء دور العالم الإسلامي وجاء ارتباط العود بهم. وبينما كان الصينيون واليابانيون يحرقونه للبخور، كان العديد من الناس في دول الشرق الأوسط يضعون الزيت على بشرتهم لاستخدامه كعطر.

سرعان ما أصبح العود سلعة ثمينة حيث امتد استخدامه عبر بلدان مختلفة. وجد المصدرون صعوبة أكبر في مواكبة الطلب المتزايد، مما يعني أن سعر زيوت العود المركزة بدأ في الارتفاع. وخلال هذه الفترة، لم تكن الدول الغربية قد بدأت في استيراد العود بعد، أو فلنقل إن الغرب لم يُعرف باستخدام العود مطلقاً.

ومع التزايد المستمر على العود، وعجز ارتفاع سعره عن الحد من الطلب عليه، وجب إيجاد بدائل فعليه له. وبدلاً من بيع زيت العود في أنقى صوره الأصلية، بدأ المصنعون بخلطه بمكونات أخرى مثل الأميريون والباتشولي مما أدى إلى زيادة تواجد زيت العود في الأسواق وخفض ثمنه.

لكن ما لبثت هذه الأسعار تنخفض حتى ذاع صيت استخدام العود كنوتة عطرية. هل سبق وفكرت في ماهية العطر العادي للحظة. لا يتكون العطر عادة من زيت واحد. بل هو مزيج من المكونات التي تخلط بعناية للحصول على رائحة معينة.

هذا ما بدأنا نراه بمجرد أن بدأ المصنعون في تخفيف العود. وبدلاً من تخفيف الزيت تماماً، كانت هذه "التخفيفات" في الواقع أقرب إلى التوليفات التي نراها في العطور الحديثة. حيث يضفي الأميريون والباتشولي نوتات مختلفة على الزيت، مما يجعل الرائحة أكثر تعقيداً، حتى لو كان الزيت نفسه مخففاً.

وبالطبع، نظراً لأن العطور أصبحت مرغوبة أكثر، بدأت التجارب ولم يعد المصنعون يخلطون العود بمكونات أخرى في محاولة لتخفيفه وزيادة مخزونه، بل شرعوا في تجربة خلطات مختلفة لابتكار عطور أكثر جاذبية.

وهذا ما قادنا إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم. الآن، لدينا عطور العود التي تحتوي على مزيج من المكونات المختلفة التي تكمل زيت العود، بدلاً من تخفيفه. بالطبع، هذا لا يعني أنه من المستحيل شراء زيوت العود النقية. في الواقع، ما يزال هناك سوق ضخم لهذه المواد. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في تجربة عطور مختلفة، هناك الآن مجموعة كبيرة من عطور العود للاختيار منها.

إذا كنت تريد أنقى أشكال العود، فهل تعلم كم ستدفع لقاءه؟ وفقاً لمجلة فوربس، فإن سعر الرطل الواحد من العود يبلغ 5 آلاف دولار أمريكي. في الواقع، يمكن لتجار التجزئة بيع زجاجة صغيرة تحتوي على 3 غرامات من العود مقابل 300 دولار تقريباً، أي ما يعني 100 دولار للغرام الواحد!